أرعدت السماء وأبرقت ولم تمطر,فساد الفضاء ظلام دامس تتخلله خيوط ملتوية وملتهبة,فتسمر الناس في أماكنهم مستغربين مشدوهين,فهم لم يسمعوا قط مثل هذا الرعد الذي يصك الآذان, ولم يروا قط مثل هذا البرق الذي يخطف الأبصار,بل لم يتصوروا أبدا أن الدنيا يخيم عليها الظلام في عز النهار,وأن المطر قد يتحول إلى غبار قاتم..
وفجأة لاح شبح مخيف وسط النقع,فقال أحدهم:إنه شبح نزل من السماء.فقال الآخر:حاشى أن ينزل من السماء,إنما خرج من الأرض, وأما السماء فتأتي منها الملائكة والرحمات.وبعد هنيهة شاهدوا حفرة عميقة يتصاعد منها دخان أسود فتأكدوا أن الشبح الملعون نبذته الأرض.
فلما وقف الشبح جعل ينظر إلى الناس وهو يقول:فليتقدم أحدكم,هذه رسالة تهمه.لكن الناس ملكهم الذعر والاستغراب ولا سيما وأن الظروف لا توحي بالخير,لذلك لا يجرؤ أحد على التقدم.فصاح مرة أخرى حتى تعالى رجيع الصدى في المكان,فتراجع الجميع إلى الخلف,ولم يبق في المكان سوى رجل متهالك يجر رجليه وأسماله.فقال الشبح:
-أنت الذي أريد أيها الخياط التاجر.
-لست خياطا ولا تاجرا ..رد الرجل
-ألم تكن تخيط الشوارع وتتاجر في الخيال والأوهام؟
-وماذا لو كنت كذلك؟
-ادفع ثمن خياطتك وتجارتك.
-ليس من المعقول في شيء أن أدفع ثمن وهم شارد غير مربح.
-ألست تربح الوقت؟وهل هناك من ربح أنفس من الوقت؟
-الوقت ربح لمن استغله في الخير,لكن متى كان الوهم تجارة؟
-الشيء الذي لا تعلم هو أنني أمارس الكذب والتغليط وأنصب الفخاخ,وأشيع أجواء عدم الرضا وأنتعش في الظلمات وأزرع السخط والشك....!!
ولم يكد ينهي كلامه حتى أرعدت الدنيا من جديد وتبسمت بقطرات من المطر ونظرت بأشعة من الشمس ثم اختفى في الحفرة ،فتنفس الناس الصعداء,وبدا على وجوههم الارتياح.ثم التفت إليهم الرجل المسكين قائلا:
-أيها الناس,تعالوا نقم بردم الحفرة وننفض عنا الغبار,إن هذا الشبح وأمثاله لا يمثلون في عالم الله الفسيح سوى ما تمثله هذه الحفرة,إنهم يريدون أن يشككونا في قدراتنا وفي خيرات وأخيار بلدنا,فلا ينبغي أن نستسلم لهم وننهزم أمامهم, فيثنينا دفع غير المستحق عن دفع المستحق وتضييعُ الحق عن القيام بالواجب...
فلما هب الجمع لردم الحفرة صاح من خلفهم رجل وسيم الوجه أنيق الجلباب:
-أنسيتم أن المكان الذي ظهرت فيه الحفرة ؟ كان آباؤنا يجلسون فيه من أجل التذاكر وتبادل أطراف الحديث,وقد سمعت يوما جدي ذكر أنه بقعة الصالحين تشرق منها الأنوار..!
-إنما نريد ردم الحفرة لا غير.فال أحدهم
-بل ندعها! لعلنا ننهل منها الخير والبركة,ونستقي منها الحكمة ونمتح منها العرفان.
وأما الرجل المسكين الذي واجه الشبح فلم يهتم به أحد وقد صار الآن في الوراء,إلا أنه لم يتمالك نفسه حتى دلف وسط القوم وهو يقول:
-اسمحوا لي! اسمحوا لي! إنكم رأيتم بأم أعينكم ما نبذته الحفرة وما ابتلعته,ستطاردكم لعنتها كما طاردتكم كوابيس الشبح...عن أي بقعة الصالحين تتحدثون؟..كم اقترف فيها من آثام!..كم هدر فيها من وقت!...كم دبر فيها من حيل!...وأي أنوار تقصدون؟ كانت هناك شجرة باسقة يستظل بها الناس وتصدح فوقها الطيور فالتهمتها النيران في ظروف غامضة.
وبعد لحظة من التأمل استطرد الشيخ قائلا:
-إني أكبركم سنا,فإن لم تقبلوا نصيحتي سأختفي كما اختفى الشبح,فتتحملون وزري,وتندمون بعدي....على من تكذبون؟على غائب أعمى وأصم,أم على حاضر يرى ويسمع..
HASSAN
< SCM Music Player http://scmplayer.net>ولم يكد ينهي كلامه حتى أرعدت الدنيا من جديد وتبسمت بقطرات من المطر ونظرت بأشعة من الشمس ثم اختفى في الحفرة ،فتنفس الناس الصعداء,وبدا على وجوههم الارتياح.ثم التفت إليهم الرجل المسكين قائلا:
-أيها الناس,تعالوا نقم بردم الحفرة وننفض عنا الغبار,إن هذا الشبح وأمثاله لا يمثلون في عالم الله الفسيح سوى ما تمثله هذه الحفرة,إنهم يريدون أن يشككونا في قدراتنا وفي خيرات وأخيار بلدنا,فلا ينبغي أن نستسلم لهم وننهزم أمامهم, فيثنينا دفع غير المستحق عن دفع المستحق وتضييعُ الحق عن القيام بالواجب...
فلما هب الجمع لردم الحفرة صاح من خلفهم رجل وسيم الوجه أنيق الجلباب:
-أنسيتم أن المكان الذي ظهرت فيه الحفرة ؟ كان آباؤنا يجلسون فيه من أجل التذاكر وتبادل أطراف الحديث,وقد سمعت يوما جدي ذكر أنه بقعة الصالحين تشرق منها الأنوار..!
-إنما نريد ردم الحفرة لا غير.فال أحدهم
-بل ندعها! لعلنا ننهل منها الخير والبركة,ونستقي منها الحكمة ونمتح منها العرفان.
وأما الرجل المسكين الذي واجه الشبح فلم يهتم به أحد وقد صار الآن في الوراء,إلا أنه لم يتمالك نفسه حتى دلف وسط القوم وهو يقول:
-اسمحوا لي! اسمحوا لي! إنكم رأيتم بأم أعينكم ما نبذته الحفرة وما ابتلعته,ستطاردكم لعنتها كما طاردتكم كوابيس الشبح...عن أي بقعة الصالحين تتحدثون؟..كم اقترف فيها من آثام!..كم هدر فيها من وقت!...كم دبر فيها من حيل!...وأي أنوار تقصدون؟ كانت هناك شجرة باسقة يستظل بها الناس وتصدح فوقها الطيور فالتهمتها النيران في ظروف غامضة.
وبعد لحظة من التأمل استطرد الشيخ قائلا:
-إني أكبركم سنا,فإن لم تقبلوا نصيحتي سأختفي كما اختفى الشبح,فتتحملون وزري,وتندمون بعدي....على من تكذبون؟على غائب أعمى وأصم,أم على حاضر يرى ويسمع..
HASSAN
- SCM Music Player script end>