زيارة شبكة الألوكة
{ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) آل عمران}

السبت، 10 أغسطس 2019

⚛️الإنسان والكمال⚛️

 
الإنسان الكامل في الإسلام هو الذي يؤمن بالله إيمانا صادقا ويقوم  بصالح الأعمال،وفي مقدمتها الصلاة،وهو نفسه الذي يستحق الفوز والقبول عند الله،قال جل جلاله:"ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولائك لهم الدرجات العلى ."طه/71 ،وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا." رواه الترمذي
لكن من الصعب أن يكون الإنسان كاملا بهذا المفهوم، فالكمال لله وحده الذي يستحيل في حقه الخطأ والنقص.وأما البشر فالمطلوب منه أن يحاول دائما بلوغ الكمال في الإيمان والعقل والأخلاق والعمل الصالح وغيرها من المثل العليا،وأما التوحيد فهو جوهر الدين الذي يعطي المعنى والروح لكل ما ذكر،هذا وقد يدرك المرء أو يدنو من هذه الدرجة بسعي منه وتوفيق من الله تعالى،وما مجاهدة النفس وتزكيتها والعناية باللب  والجوهر لا بالقشور فقط إلا من مقاصد  هذا الباب،فإذا استجاب القلب لله بالتوحيد والإيمان فلا بد  أن تستجيب الجوارح والحواس والكيان كله لله بالعمل الصالح، مما يؤدي إلى تحقيق عدة غايات من أهمها: الاستقامة وكمال الخلق والطمأنينة وسلامة القلب والتمتع بالأمن الروحي؛قال الله تعالى:(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)،وقال الله تعالى:" إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولاتحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون "فصلت/29؛وقال سبحانه:"يوم لا ينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم" الشعراء/88،وقال تعالى:"يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" سورة الفجر.
واستنادا إلى مقتضيات الفطرة الأصلية ونصوص القرآن والسنة فالإنسان خلق للكمال من جميع النواحي،هذا الكمال يمكن الوصول إليه دون حاجة إلى أحد غير الله واتباع طريق رسوله الكريم.
ولعل اختيار شيخ رباني في ظاهره وباطنه أمر مطلوب ومرغوب فيه،بل يجب أن يساعد بعضنا بعضا على تزكية النفس والسمو بها إلى أعلى المقامات،إلا أن الواقع عكس ذلك بسبب ظروف المجتمع والمحيط وقسوتهما،وذلك حينما تظهر بوادر النقص عند شخص يتعرض لوابل من السخرية والسخط مما يجعل الهوة تتسع لديه والخلل يستفحل والشر يكثر،وكأن الناس يريدون من الشخص أن يولد كاملا جليلا ليكون مقبولا عندهم.ومن يتحمل المسؤولية؟
  يا من تدعون أنكم شيوخ وأنتم بالفعل شيوخ طيبون، تداوون الجراح بقلوبكم قبل ألسنتكم ونظراتكم وأفعالكم،وتقاربون بين المتنافرين بحكمتكم،وتحببون إلى الناس التوحيد والدين ونبذ الشرك والمنكرات،وتربطون الناس بالله لا بأنفسكم وأهوائكم وطرائقكم، وتحركون مشاعر الإيمان والمحبة في الوجدان، كما تبثون في النفوس ما يرفع المعنويات والطاقة الإيجابية ووتيرة الإنتاج.كيف ولا وقد آتاكم الله العلم والحكمة والذكاء غير الماكر،وخصكم بأوصاف دون سائر البشر.
وذلك أن الشيخ الرباني هو الرجل العالم العامل الذي وهبه الله عزّ وجل النور الكاشف للظلمات والشبهات، ومنحه الفقه في دين الله، وتأويل المتشابهات، وفك رموز الخفيات من آي القرآن، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الفرد الذي يتأمل في ملكوت الله ويتدبر آياته ويفكر في آلائه وأنعمه ويدرك عظمته،ويتعلم العلم النافع،ويجتهد في طاعة الله طالبا منه الهداية وحسن العاقبة لنفسه ولغيره.《إهدنا الصراط المستقيم》.
وأقصد بالتأكيد شيوخ التوحيد والتزكية والتقوى والورع والمجاهدة والمحاسبة والمراقبة والصفاء والإحسان،أحسن الله إليهم وكثر من أمثالهم.قال الله تعالى:((وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَئمَّةࣰ یَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِیتَاۤءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُوا۟ لَنَا عَـٰبِدِینَ))
[سورة الأنبياء 73]

وأما شيوخ الشرك والوهم والدجل والسحر والتحكم والإلهاء والعويل والخوارق وادعاء علم الغيب ،فإنهم يتطاولون على ربوبية الله وألوهيته ويمتصون طاقات الأتباع الإيجابية لفائدة الشياطين،فهم لا يمكنهم البقاء إلا من خلال استنزاف طاقة الآخرين،بمعنى أنهم لا ينتجون شيئا من الإيجابيات سوى أنهم يستهلكون وينهبون وينصبون ويمتصون بأنفسهم أو بواسطة أتباعهم.
وهم مجرد مشاغبين في مملكة الله الواحد القهار،حيث تتلاعب بهم الشياطين وتسيطر على أحاسيسهم وعقولهم الباطنة، فيزكون أنفسهم ويحسبون أنهم مهتدون،قال الله عز وجل:" هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ (32)(النجم)،
{ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ یُزَكُّونَ أَنفُسَهُمۚ بَلِ ٱللَّهُ یُزَكِّی مَن یَشَاۤءُ وَلَا یُظۡلَمُونَ فَتِیلًا (49) انظر كَیۡفَ یَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَكَفَىٰ بِهِۦۤ إِثۡمࣰا مُّبِینًا (50) } [سُورَةُ النِّسَاءِ: 49-50]
وقال سبحانه:(فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة،انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله ويحسبون انهم مهتدون - الأعراف 30)
،بل باعوا أنفسهم وابتاعوا أنفس أتباعهم لغير الله،حيث يزودونهم بالطاقة الإيجابية في قمة الهرم، ويتلقون منهم الطاقة السلبية في اتجاه القاعدة حيث يوجد الكفرة الفجرة الذين ينشطون في عبادة الشياطين وينغمسون في الفسوق الفجور،لا سيادة سوى للعلمانية والمثلية والنسوية والعلاقات الرضائية...لا حلال ولا حرام...لا دين ولا ملة.
{ إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱشۡتَرَوُا۟ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِیمَـٰنِ لَن یَضُرُّوا۟ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ (177) }[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: -177]
ويعتبرون أصحاب المركز الوسط الذين هم عباد مشركون دجالون تجار المقايضة،إنهم ينتجون بعض الحسنات لكنهم يضيعونها لصالح القمة،قال الله تعالى:( وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُۥ فِى ٱلْآخِرَةِ مِنْ خَلَٰاقٍۢ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ،ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون ).
وقال ربنا العظيم:((أَفَحَسِبَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَن یَتَّخِذُوا۟ عِبَادِی مِن دُونِیۤ أَوۡلِیَاۤءَۚ إِنَّاۤ أَعۡتَدۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَـٰفِرِینَ نُزُلࣰا ۝  قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِینَ أَعۡمَـٰلًا ۝  ٱلَّذِینَ ضَلَّ سَعۡیُهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَهُمۡ یَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ یُحۡسِنُونَ صُنۡعًا ۝  أُو۟لَـٰۤئكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ وَلِقَاۤئهۦ فَحَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَلَا نُقِیمُ لَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَزۡنࣰا)[سورة الكهف 102 - 105]
وتجدهم يريدون نصيبا في كل شيء،في الزمان والمكان والأموال والقلوب،بل حتى في ألوهية الله وربوبيته وأسمائه وصفاته،وهم لا يدركون أنهم وظفوا جنودا مجندة كقنوات لتمرير رسائل كيدية وكأدوات للتخدير والإلهاء والتحكم في يد المتألهين في الأرض المسيطرين بالدسائس... حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم.
اللهم احفظنا من شرهم بحق لا إله إلا الله محمد رسول الله،فنحن عبادك وأنت ربنا إلهنا وحدك حسبنا كافينا،لا نحتاج إلى روحاني ولا إلى ملك،ولكن نحتاج إلى عنايتك ورعايتك،وحيثما حلت عنايتك وجدت ملائكتك،إنك على كل شيء قدير.اللهم علمنا واهدنا ووفقنا وألهمنا الاستقامة لتتنزل علينا الملائكة،اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
فإنك يا ربنا تقول:" إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا،وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون"فصلت/29.وقولك الحق:(
  وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا) (الكهف/50)
 وأما غيرهم من المتشيخين الذين تنطوي بواطنهم على الشر والمكر،وتحركهم الأحقاد والمصالح الشخصية الدنيئة وبث الكراهية والطاقة السلبية،والذين يزرعون الشؤم والتذمر والتشكيك من حيث لايدرون،مع كونهم غارقين في شكليات تخفي في طياتها الكثير من الفتن والشقاق والنفاق،كما يهملون المشاعر والوجدان فتعمى وتقسو،بل ينفرون من الدين وكأنهم أعداؤه، ويحملون المسؤولية للشيطان وهم جنوده،وينسجون الكلام نظما ونثرا لجعل الحق باطلا والباطل حقا،فهم أكثر شرا على استقامة الأفراد وتقدم الأمم،وأشد خطرا على وحدة الأسر والدول، وهم شيوخ الفتنة والضلال،ما تدخلوا في أمر إلا أفسدوه، حسبنا الله ونعم الوكيل، بل هم دعاة على أبواب جهنم وأشرار تحت ثياب الأخيار،وذلك مهما تسربلوا من سرابيل،وتقولوا من أقاويل، وتقمصوا من أدوار، وقدموا من قرابين.كيف ولا وصلاحهم في شيطنة الآخرين وراحتهم في إثارة القلاقل، ويحسبون كل صيحة عليهم،هم العدو فاحذرهم،قاتلهم الله.....قال الله تعالى :((وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَئمَّةࣰ یَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ لَا یُنصَرُونَ)) سورة القصص 
فقد رَوى البخاري في "صحيحه" بسنده إلى حُذَيفَة بن اليمان رضِي الله عنه؛ أنَّه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر مخافة أن يُدرِكني، فقلتُ: يا رسول الله، إنَّا كنَّا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير مِن شر؟ قال: ((نعم))، قلتُ: وهل بعد ذلك الشر مِن خير؟ قال: ((نعم، وفيه دَخَنٌ))، قلتُ: وما دَخَنُه؟ قال: ((قومٌ يَهْدُون بغير هَدْيِي، تَعْرِف منهم وتُنْكِر))، قلتُ: فهل بعد ذلك الخير مِن شر؟ قال: ((نعم؛ دُعَاة على أبواب جهنَّم، مَن أجابَهُم إليها قذَفُوه فيها))، قلتُ: يا رسول الله، صِفْهُم لنا؟ قال: ((هُمْ مِن جِلدَتِنا، ويتكلَّمون بألسِنتِنا))، قلتُ: فما تأمرني إنْ أدركني ذلك؟ قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامَهم))، قلتُ: فإن لم يكُن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ((فاعتَزِل تلك الفِرَق كلها، ولو أن تَعَضَّ بأصْل شجرة حتى يُدرِكَك الموت، وأنتَ على ذلك)). .يتبع..
حسنHassan